أؤمن بأن هذا اليوم قادم

( أؤمن بأن هذا اليوم قادم )
استيقظت من نومها ذعرة خائفة تصرخ :
النجدة النجدة حريق أمي ساعديني ساعدي أخي إنه يحترق ..
وبينما هي في حالتها هذه أتت والدة أسماء وتحضنها بكل دفء وحنان وتهدئ من روعها
- أسماء يا صغيرتي اهدأ توقفي لقد انتهى كل شيء يا صغيرتي
وبدأت تقرأ عليها بعض الآيات حتى تطمئن نفسها وتشعر بالإرتياح ومن ثم استلقت بجوارها و هي لا تزال تحضنها حتى نامت . .
هذه ليست المرة الأولى التي يراودها هذا الحلم إنها المرة الثالثة لهذا الأسبوع
فأمر كهذا يستحيل نسيانه كيف لا وقد فقدت أخاها العزيز قبل أيام قليلة في حريق هائل مخيف
في صباح اليوم التالي استيقظت ووجدت والدتها بالقرب منها فتركتها بهدوء وغادرت الغرفة متوجهة للحمام ثم غيرت ثيابها للذهاب للمدرسة فهذا هو يومها الأول . .
أسماء : فتاة تبلغ من العمر الخامسة عشر تشعر بالخجل من مواجهة الناس والخوف في الوقت نفسه فقد عاشت بداية حياتها في خوف دائم من أي هجوم قد يحدث في أرض فلسطين والآن قد انتقلوا لبلدة أخرى لا وجود لحرب فيها ولا ذلة ومع ذلك فهي لم تستطع التغير فالشعور بالخوف يلاحقها في كل مكان .
و هناك في المدرسة كانت تجلس وحدها لا تتحدث مع أحد ولا تريد ذلك
و إذا ما أرادت فتاة التحدث إليها فهي تتجنبها وترد بكلمات بسيطة وبصوت لا يكاد يكون مسموعا لذلك اعتقد الجميع أنها منطوية بذاتها ولا ترغب بتكوين صداقات حتى رغم أنهم لم يعرفوها غير اليوم فقط .
حتى في ساحة المدرسة في فترة الراحة لا تزال جالسة وحيدة تتناول طعام إفطارها
جميع الفتيات يرمقنها بنظرات لأنها جديدة في المدرسة وهذه النظرات جعلتها في قلق وارتباكـ
وأخيرا دق الجرس معلنا نهاية فترة الراحة فشعرت بارتياح لانها ستعود للفصل
وبينما هي في طريقها للسلالم كان هناك ازدحام فتيات فجميعهن يتسابقن للوصول أولا
وبغير قصد منها داست على طرف ثوب فتاة أخرى مما أدى إلى سقوط الفتاة
خفضت أسماء جسدها و حاولت مساعدتها وهي تعتذر خوفا
- آسفة لم أكن أقصد أنا آسفة حقا
وقفت الفتاة دون مساعدة من أسماء ولم تقبل اعتذارها وبدأت تصرخ في وجهها
- هل أنت عمياء كيف لم تتمكني من رؤيتي واقفة أمامك أيها الحمقاء
- آسـ ـ ف ـه
- ماهذا الإعتذار البسيط أنت غبية حقا
تجمعت الفتيات حولهن وكلهن في صف أروى الفتاة التي سقطت و شعرت أسماء بأنها وحيده و لا تنتمي لهذا المكان أبدا
صوت حاد قوي من الخلف : ماهذه الفوضى يا أروى لقد اعتذرت لك ولم تكن تقصد حتى توقف عن التصرفات الطفولية هذه
أروى : وما دخلك أنت بالموضوع
كان الجدال سيشتد اكثر لولا حضور المعلمة وتهدئة الأمور فانصرف كل من في طريقه .
أسماء الآن تبحث عن الفتاة التي ساعدتها فهي تود شكرها على ما فعلته ولكن الازدحام منعها من الوصول إليها
وفي اليوم التالي أخذت تكمل بحثها إلى أن وجدتها جالسة تنتظر بقية صديقاتها
تقدمت بخطوات هادئة وعيناها على الأرض إلى أن وصلت أمامها
أسماء : مرحبا
نظرت إليها : مرحبا !
أسماء : في الحقيقة كنت اود ان . . أشكرك على ما فعلته بالأمس لي
سهام : لم أكن أقصد مساعدتك أبدا كنت أود أن أسكت هذه الفتاة المتكبرة المغرورة وأن أسير في طريقي دون إزعاج
تفاجأت من سماع ردها فلم تكن تتوقعه أبدا : ولكـ ن
سهام : أنت أيضا مزعجة بهذه الشخصية الضعيفة الخجلة لن تكسبي شيئا
أسماء : كنت أود شكرك فقط ما كان يجب عليك قول كل هذا الكلام وداعا
انشغلت سهام بأمورها ولم تحدثها مرة أخرى هذا اليوم
مرت الأيام و حياة أسماء كما هي تذهب للمدرسة و ينتهي اليوم دون أن تتحدث إلى الكثير
مر أسبوع على هذا الأمر حتى جاء ذلك اليوم
حيث كانت أسماء تمشي في الساحة فوجدت سهام جالسة على كرسي وبيدها كراسة للرسم اقتربت منها بهدوء دون أن تشعر سهام وهاهي خلفها مباشرة وتنظر إلى ما ترسمه
- كلا هذا خاطئ استخدمي اللون الأزرق سيجعلها أجمل فاللون الأخضر لا يتناسب معها
التفت سهام متفاجئة من الصوت وقالت : ماذا تريدين ؟
أسماء : آسفة لتدخلي ولكن أحب الرسم و أردت حقا أن تكون رسمتك جميلة
سهام : هل حقا تحبين الرسم وتجيدينه
أسماء : أجل بالطبع وأستطيع أن أرسم لك الآن إذا أردتي
أعطت سهام الكراسة لأسماء وبدأت تعيد رسمها من جديد فأصبحت أجمل من السابق بكثير
سهام : مدهش راائع حقا
أسماء : هل أعجبتك فعلا
سهام : بالطبع أنت موهوبة يسعدني أن أكون صديقتك ما رأيك
صمتت أسماء وهي تفكر بكلمة صديقة شعرت بشعور رائع عندما سمعت هذه الكلمات من سهام وقبلت على الفور دون أن ترفض
وفي اليوم التالي قضيا معا وقت الإستراحة ودار بينهما حوار بين مدى ألم وحزن أسماء
- أسماء في أي مدرسة كنت
- لم أكن أدرس في هذه المدينة
- حقا ! إذا من أي مدينة أتيت ؟
- فلسطين
لم تجد سهام ما تقوله فظلت صامتة فهي لم تتوقع أبدا أن تصادق فتاة من فلسطين
- هل أكمل كلامي أظن أنك انزعجت
- كلا على العكس أخبريني كل شيء في حياتك سأكون منصتة لك
- حسنا , لقد عشت طفولة مختلفة عن جميع الفتيات هنا حيث في مدينتي الدمار أناس يقتلون أمام أعيننا ولا نستطيع فعل شيء أمي كانت تعمل في إحدى المستشفيات وكانت تعالج المرضى دون أن يدفعوا لها كنت أراها دائما متعبة من عملها فهي تواجه حالات كثيرة في اليوم
- ماذا عن والدك ؟
- توفي قبل أن أولد كان لدي عم في إحدى دول الخليج وكان يحاول التواصل معنا بشكل دائم , عشت بقية أيامي على هذا الحال أخاف أن اخرج من المنزل وحدي وأخاف الذهاب للمدرسة لذلك أنا أشعر بأن الخوف يلاحقني من مكان لآخر حاولت مرات ومرات أن أتغلب على هذا الخوف ولكن دون جدوى وقبل نصف شهر كنا قد خططنا للسفر عن بلادي العزيزة والذهاب لمكان أكثر أمنا وقد ساعدنا عمي كثيرا وقبل سفرنا بليلة استيقظت على أصوات أمي وأخوتي وهم يصرخون خرجت من غرفتي وساعدتني والدتي كان منزلنا يحترق .. خرجنا جميعا من المنزل ولكن بقي أخي الأكبر بالداخل ولم يستطع النجاة وكانت أمي تصرخ بشدة وتنوي الدخول لمساعدته ولكن دون جدوى لقد مات في تلك الحادثة كان منظرا لا ينسى حيث الناس قد تجمعوا وهم يحاولون المساعدة ولكن الأوان قد فات على ذلك
توقفت أسماء عن الكلام وأخذت تبكي فاقتربت منها سهام و حضنتها
سهام : أسماء كوني قوية وتوقفي عن البكاء ستعيشين عالما مختلفا الآن في هذه المدينة حيث الأمن والطمأنينة لن يفيد بكاؤك هذا شيئا قومي بالدعاء له فهذا ما يريده
قالت أسماء بكل ألم : إلهي انتقم منهم .. إنك أنت القادر على كل شيء
سهام : إن الله يا عزيزتي قادر على محوهم في لحظات وصدقيني سيأتي اليوم الذي نحرر فيه أراض المسلمين منهم عندما يتحد المسلمون ويكونون قوة واحدة سنستطيع فعل ذلك
أسماء : أومن بأن هذا اليوم قادم
بعد ذلك اليوم تغيرت حياتها كثيرا فقد كانت في السابق كالصفحة السوداء المليئة بالخوف والذل والمهانة والآن بدأت الألوان تتداخل على هذه اللوحة
تعرفت على صديقات جدد و تعلمت منهن الكثير و قد أصبحت فنانة مشهورة تباع لوحاتها في المعارض والمزادات
وكل ذلك بتوفيق الله وإرادته . .
هذا وصف غير دقيق لما يعانيه أخواننا المسلمون هناك ولكن حاولت أن أصف بعض الأمور مما نشاهده في التلفاز ومما نسمعه
كل ما نحتاجه أن تتجمع قوة المسلمين من كل أنحاء الأرض كي نصبح قوة لا يقف في طريقها شئ.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زائر

شكرا يا باشا تسلم الأيادى

نورت الموضوع تشرفت بردك